حين عدت من المكتب مساءً بادرتني الزوجة بالسؤال إن كنت قد تلقيت اتصالاً بالمكتب من جارنا (أبو فلان) فقلت لا. في مساء نفس اليوم حدثتني بأن (أم فلان) زارتها صباح اليوم وقالت لها بأن أبنهم ذو الحادية عشر عاما يواجه مشكلة حقيقيه في التبول اللاإرادي ليلاً بالفراش ، وهذه المشكلة قد ارهقتهم كثيرا ، وقد عرضوه على أكثر من طبيب وإستشاري مسالك بولية ووُصفَت له كثير من الأدوية دون فائدة تذكر ، وهم يرغبون في علاجه بالتنويم او نحوه لتخليصه من هذا. قلت لها: أريد أن أرى الولد على إنفراد.
في اليوم التالي حضر الولد وكان ولدا مرحا و خلوقا وفي غاية النشاط والحيوية ، طلبت من الزوجة اللقاء به منفردا بالمكتب المنزلي دون إزعاج ، وحين ولجنا للمكتب سالته هل تعرف لمَ أنت هنا؟ أجاب: نعم ، لتحل مشكلتي ، قلت: عظيم ،حدثني عنها، أجاب: قالت أمي لزوجتك كل شئ – بداء خجولاً – فتحت له علبة جديدة من الشيكولا السويسرية وقدمتها له قائلا: هناك عشر قطع من الشوكولا اللذيذة الرائعة بداخل هذه العلبه سآخذ أنا واحدة فقط وستاخذ أنت التسعة قطع الباقية ، ثم أخذت واحدة وبدأت افتحها وآكل منها ، ففتح هو الآخر واحدة وبداء يقضمها وكان أسرع مني في التهامها ليمد يده للثانية فبادرته حينها قائلا : هناك شئ تعرفه انت ولكن في نفس الوقت لا تعرف انك تعرفه ، وحين تدرك أنك تعرف بأنك قد عرفته عندها ستتمكن من النوم على فراش وثير نظيف و جاف. بادرني هنا قائلا: طفشوني اهلي كل شوية يودوني لدكتور ، وأخواني وأخواتي يتتريقوا علي ، وأصحابي بالمدرسة يضحكوا علي وكل ما ابغى ابات عند خالاتي او عند احد من الجيران تمنعني امي لأنها تخاف اني اسويها زي العادة بالفراش ، وأهلى احيانا يسافروا مع اخواني واخواتي الصغار ويخلوني مع الكبار بالبيت . فقلت: وأنا سأكون مثل بقية الأطباء ولكن الأختلاف الوحيد هو أنني لن أعطيك دواء لتشربه ثم طلبت منه أن أساله سؤال واحد محدد وأريد عليه فقط جواب واحد محدد وكان سؤالي على النحو التالي:
لو أنك كنت بحمام عام في المدرسة ، بالسوق ، في مجمع تجاري تتبوّل ، وفجأة دخل عليك أحدهم (رجل غريب) أو أطل برأسة من وراء الباب ماذا أنت فاعل ؟ أجاب سأجمد مكاني ثم البس سروالي بسرعة ، قلت: ممتاز .... ستجمد مكانك و تلبس سروالك وحين تفعل ستتوقف عن التبول لأنك لن تلبس سروالك وانت تتبول صح؟ أجابني : صح ، فقلت : وهذا هو ما قصدته بأن " هناك شئ تعرفه انت ولكن في نفس الوقت لا تعرف انك تعرفه" وقد عرفته الآن وهو أنه في إمكانك ايقاف عملية التبول إراديا بإرادتك كما تفعل وانت تتبول بالحمام و يطل فجأة أحدهم برأسه من وراء الباب فتوقف التبول بإرادتك أنت وليس بإرادة الطبيب ، وليس بإرادة اخوانك واخواتك ، وليس بإرادة اصحابك بالمدرسة . يابني بالنسبة لك من الصعب الحصول على فراش وثير ونظيف وجاف وقد تحصل عليه في خلال اسبوعين ولكنه بحاجة الي تدريب عملي وشاق سنسمية (إبداء و توقف) وقد تنسى او تتناسى القيام بالتدريب ، ولكن لا مشكلة هناك لأن جسمك سيعتني بك لتعيد الكرة من جديد (إبداء و توقف) ثم يظهر فراش رطب من جديد ، وايضاً لا مشكلة (إبداء و توقف) وقد تمر عليك ايام لا تمارس التدريب العملي (إبداء و توقف) وايضا لا مشكلة طالما أنك ستعيد الكرة مرات و مرات وتمارس تمرينك (إبداء و توقف) وسيكون فخراً لي و لك لو ان فراشك كان نظيفا وجافا في الصباح بعد ثلاثة أشهر من الآن ، وسيكون ايضاً فخرا لنا لو حدث بعد ستة اشهر و أول فراش نظيف و جاف سيكون أصعب من أول فراشين نظيفين وجافين و أول ثلاثة فرش نظيفه و جافة ستكون اسهل من أول فراشين نظيفين وجافين وهكذا حتى يصبح الفراش رقم مئة هو كطعم الشوكولا التي اكلتها قبل قليل لأنه اصبح سهل ويسير و عادي جدا.
أعطيته الشوكولا وخرجنا من المكتب المنزلي بعد حوالي ساعة وعشرون دقيقة و قلت للزوجة ما حدث وشرطت عليها أن لا تخبر اهله بهذه التفاصيل.
بعد ما يقارب الأسبوعين طرق باب بيتنا زائر صغير بيده علبه صغيرة و طلبني بالأسم ولكن لسؤ حظه لم أكن متواجدا بالبيت وقتها فترك الأهل العلبة الصغيرة على مكتبي وحين عدت فتحتها لأجد بداخلها خاتم صغير الحجم ورخيص من النوع الذي يستخدمة الأطفال فسألت عنه فقيل لي بأن ذاك الولد قد احضره هديه لي ... امم لقد سعدت بهديته كثيرا لأنها تقول بكل بساطة لقد حصلت على أول فراش نظيف وجاف ..
بعد حوالي سبعة اسابيع من الجلسه حصلت من الولد على هديه مشابهه أخرى ، واليوم مر حوالي ثلاثة اشهر وقد حصلت هذه المرة منه على مجلة بحالها وهذا يعني بأن مسلسل الفراش الجاف والنظيف في إزدياد.
ملحوظة خاصة: في علاج الحالات النفسية عند الأطفال والمراهقين تذكر بأن لكل منا لغته الخاصة ولا اعني بها لغة الكلام ولكن اقصد لغة التعبير ، لغة الشرح ، لغة الوصف ، فحينما تستمع للطفل المريض استمع وانصت جيدا لطريقة شرحة ووصفه وقد يتحدث بطريقه بداءية وممله من مفهومك أنت كبالغ ، ولكن في مفهومه هو هذا أقصى حد يمكن له أن يصف شعوره وما يود قوله لك فكن هو ... كن في مستواه السني والخلقي والجسدي والفكري والعقلي واللغوي والوصفي .. تلبسه كما تلبس ثيابك عليك وتنازل .. تنازل عن وضعك كمعالج الي وضعه كمريض و قبل ذلك كطفل ينشد العلاج بكل ما لديه من طاقة .. يحاول أن يعرف الآخرين بوجهة نظره على حقيقتها كما ينظر اليها هو لا كما ينظر اليها الآخرون.