الرهاب بعد سن الثامنة والأربعين .. منشأه و علاجه

في الثامنة والأربعين ويخشى الأماكن المرتفعة. قال أنه يسافر كثيرا حسب طبيعة عمله ويتفادى ركوب الطائرات بل يقتصر سفرة بالبر بواسطة السيارات و القطارات او عن طريق البحر بواسطة السفن والعبارات. ذكر أيضا أنه حين يسكن بالفنادق فإنه يختار الأقامة بالأدوار السفلي والدور الثالث هو أقصى علو يسكن فيه.
قال بأنه إضطر مرة قبول السكن بالدور الثامن ومن سؤ حظه أن مصاعد الفندق الذي سكن به كانت مصاعد بانورامية أي ذات واجهات زجاجية تطل على رواق الفندق وأنه كان يتجنب النظر ناحية الواجهات الزجاجية ويركز نظرة الي بوابة المصعد الحديدية وأن تلك الرحلة والاقامة بذاك الفندق كانت من أصعب الأمور التي واجهها في حياته.
طلب أخيرا مساعدته في تجاوز هذة المحنة ....

حسنا ...
معظم مسببات الرهاب تنشأ في سن مبكرة غاليا بالطفولة او المراهقة الأولية ، فالخوف من الحشرات منبعه مواجهة حشرة صغيرة في فترة الطفولة كانت في نظر الطفل عملاقة و تشكلت هذه الصورة بعقله الباطن واستمرت معه حتى نشأ وترعرع شابا فتيا ، وبطبيعة الحال لا يمكن تجاوز هذا الرهاب إلا بإستخراجه من أعماق العقل الباطن حيث خزن بداخله على مدى كل تلك السنين الطويله.
مبدئياً ، هناك أكثر من طريقة لفتح خزنة العقل الباطن وسحب مسبب الرهاب من داخله في اولها التنويم الإيحائي ، ولكن التنويم يحتاج إلي جلسات عديدة ومكررة وقد تنجح هذه الطريقة وقد لا تنجح في ظل ظهور الأعتراضات الداخلية من الشخص المنوم وهذة الأعتراضات تتسم بالمقاومة حيث يقاوم العقل الباطن الولوج لداخله دون تدخل من الشخص المنوم ، فهذة المقاومة بديهية لأن العقل الباطن يعتبر الولوج لمخزنه تطفل وبالتالي يلغي كل المحاولات التي تتم لإستدراجه والتوغل لداخله ، وهذا ماحدث بالضبط مع تلك الشخصية فقد واجهنا معا أنا كمعالج وهو كعميل التوغل لداخل عقله الباطن بسبب الأعتراضات من قبل عقله الباطن فواجهتنا مقاومة شرسة على مدى ثلاث جلسات متتالية في اوقات متباعده ، وعليه فقد لجأت معه إلي تقنية مختلفة تسمى (دورة الحياة) وهي تقنية مزدزجة تجمع بين الاسترخاء و خط الزمن حيث نعيد فيها الشخص الي ايام الطفولة ونجعل عقلة الواعي في سنه الحالي (الرجولة) يواجه عقلة الباطن في سن (الطفولة). بدأنا معه في سن الثانية عشر فلم تظهر بوادر الرهاب عليه ثم عدنا قليلا الي الوراء لسن العاشرة وايضا لم تظهر بوادر الرهاب فكررنا العودة للثامنه ولم نجد اي بوادر للرهاب إلا أنه في سن بداية الدراسة الأبتدائية اي من اولى سنوات الدراسة الأبتدائة في سن الست سنوات بدأت تظهر جليا بوادر الرهاب.

ماحدث له هو أن احد المدرسين في سن السادسة طلب منه الصعود الي كرسي وضع فوق طاولة الدراسة لتعليق لوحة عمل فني على الجدار وكان كل شئ يسير على مايرام إلا أن مسألة السقوط التي خلقها عقله الباطن بداخله قبيل الصعود لأعلى الكرسي المسند على الطاولة قد حدثت للأسف ، ذلك أنه وضع جل ثقله على احدى زوايا الكرسي مما جعل قدم الكرسي تميل قليلا لحافة الطاولة وتتجاوزها ليهوي من اعلى الكرسي ناحية الأرض ، ومع أنه لم يصاب إلا بكدمات خفيفة إلا هذه الحادثة قد سجها عقلة الباطن جملة وتفصيلا وأنشأت بداخله ما يعرف برهاب الأماكن المرتفعة.

إن تقنية (دورة الحياة) لا تعتمد على التنويم بل هي تقنية خط زمنيةمصحوبة بالأسترخاء التام إلا أنها تحتاج إلي متابعة من قبل المعالج اثناء تطبيقها وهي تقنية قوية الميكانيكية سهلة التطبيق و مضمونة النتائج بمشيئة الله.
بعد عدة ايام من تنفيذ تقنية (دورة الحياة) أجرينا معا تجربية صغيرة فطلبت منه أن نشرب الشاي معا على سطح منزله حيث كان الجو ربيعي معتدل الحرارة ، وهناك على سطح المنزل نظرت من وراء سور السطح ناحية الأرض مشيرا الي موقف السيارات مدعيا بأن هناك سيارة تقف بطريقة قد تسبب حادث مرور ، فإذا به ينظر تلقائيا ناحية الشارع متسائلا اين هي ؟؟ لم أكذب ففعلا هناك سيارة بل سيارات تقف بطريقة عشوائية ، وحيث انه لا شعوريا نظر من الدور الرابع ناحية ارض الشارع دون خوف او رهبه فإن في هذا دليل قاطع على أن عقله الباطن قد تخلص نهائيا من رهاب الأماكن المرتفعة.

بعد ما يقارب الشهر دعوته لإرتشاف قدحا من قهوة الكوبتشينو ثم أنني مررت به مصتحبا الي فندق عبارة عن برج مكون من اثني عشر دورا يقع في اعلاة مطعم و مقهى ذات واجهات زجاجية يطل مباشرة على الكورنيش.
ولجنا اولا لردهة الفندق وجلسنا قليلا وقدم لنا النادل مشروبا مثلجا ، ثم قلت له بأن هناك ما اود أن اناقشة معه إلا أن هذا المكان – أي الردهة – لا تصلح للنقاش كونها مفتوحة لكل زوار و مقيمي الفندق وأنني افضل مكان أكثر هدوئا وهناك مقهى هادي بالدور العلوي فوافق دون اي تردد.

صعدنا للدور الثاني عشر وكنت اراقبه بالمصعد اثناء حديثنا فوجدته هادئا وطبيعيا.
استقبلنا النادل بعد خروجنا من المصعد حيث تقع بوابة المقهى مواجه تماما للمصعد ، إختار لنا النادل طاولة بوسط قاعة المقهى إلا أنني اشرت اليه أننا نرغب بأخرى جوار النوافذ المطله على الكورنيش.
جلسنا الي طاولتنا وجها لوجه وعن يميني نافذة تمتد من ارضية المقهى لسقفة تطل مباشرة على الكورنيش حيث انها تكون على يساره هو.
كان الوقت يقارب الغروب ويظهر الكورنيش ممتدا بطول النظر والسيارات من هذا العلو تظهر كرأس اعواد الكبريت. بادرته بالحديث عن هذا المنظر الجذاب مشيرا الي عدة مباني حول الكورنيش فهذا فندق كذا وهذا مجمع كذا وذاك مسجد فلان وكنت اراقبه عن كثب، كان طبيعيا للغاية ومستمتعا بالمنظر .. وفجأة بادرني ضاحكا .. أظن أنني عرفت سبب وجودنا هنا !!
نعم .. لقد فعلها وخرج من أزمته واستغنى عن السيارات و القطارات و السفن في سفراته بل أنه ابلغني ذات يوم متصلا بي من (دبي) بأنه يقيم في اعلى برج اسمه برج نمبر ون وهو برج مبني على شكل رقم واحد بالأنجليزي يقع بشارع الشيخ زايد ويتكون مما يزيد عن عشرين طابقا.

إن معظم حالات الفوبيا او الرهاب منشأها الطفولة وهي تخزن بداخل خزائن فولاذية ينشأها العقل الباطن ولا يمكن فتحها إلا بوجود خبير في فتح خزائن العقل الباطن وإستخراج تلك القيم و تحطميها ليعيش بعدها المرء طبيعي بلا رهاب او فوبيا.

حيوان أليف

تلقيت من أخت كريمة رسالة طويلة تشرح بها مشكلتها لعزوف الشباب عن التقدم لأختها الكبرى حتى تجاوز سنها الأربعين وتخشى أن تلقى المصير نفسه. هذا الأمر يؤرقها ويسبب لها مشاكل عديدة مع من حولها وفي مقر عملها. ذلك أنها لا تأخذ كفايتها من ساعات النوم بالليل بسبب التفكير في العنوسة المقبلة عليها كما وصفتها فلا تنام إلا سويعات قليلة وأحياناً تواصل السهر لحين وقت الدوام الرسمي. وحيث أنها لا تأخذ كفايتها من النوم ليلا فهي بالتالي تذهب متأخرة عن ساعات الدوام الرسمي بعملها ، أما حين تواصل الليل بالنهار فإنها تكون مجهدة أثناء وقت الدوام وغالبا ما تبحث عن عذر هنا او هناك لتخرج مبكرا وتعود للبيت لتنام. قالت بأنها تنام معظم اليوم خلال الفترة الممتدة ما بين وقتي العصر و العشاء وهي بذلك تضيع صلاة المغرب وأحيانا العصر.
قالت بأنها حاولت تفادي التفكير في أمر الزوج إلا أن شبح العنوسة ما يلبث و أن يخيم بذاكرتها لتعود من جديد إلي مقارنة وضعها بوضع أختها التي تصر هي بأنها قد أصبحت عانسا من وجهة نظرها هي. توسلت كثيرا أن أجد لها حلا يخلصها من هذا الكابوس حسب وصفها.

حسنا .. مبدئياً أرى بأن هناك أكثر من مشكلة في وضعها .. فقلة النوم .. والتأخر عن الذهاب للعمل في وقت الدوام الرسمي ، والبحث عن عذر للخروج مبكرا ، ومواصلة الليل بالنهار ، والنوم مابين العصر و العشاء ، وإضاعة صلاتي العصر و المغرب كل ذلك بالتأكيد يؤثر على أداءها في العمل و في المنزل و يخلق لها مشاكل عديدة و متعددة مع كل من حولها.
اقترحت عليها أن تقتني حيوان أليف (وهذا علاج منطقي لحالتها) لأن غريزة الأمومة متأصلة بداخل كل بنت ، ألا ترى الفتاة الصغيرة في سن الثالثة وما فوق تقتنى العرائس البلاستيكية وتهتم بها أيما اهتمام بدءا من إطعامها مرورا بتغيير ملابسها وإنتهاء بإركابها في عربة صغيرة والطواف بها في ارجاء البيت؟
إن غريزة الأمومة متأصلة بداخل كل بنت وفتاة وسيدة ، وعليه فقد إقترحت عليها إقتناء حيوان أليف كقطه مثلا ، فالقطط وخصوصا القطط الرومية والفارسية تتسم بالدلال المفرط الذي يستوجب إقتناءها وبأثمان باهضة .. إلا أنها فاجأتني حين قالت بأنها تخاف من القطط و الكلاب!!..
وهذه مشكلة جديدة تنظم إلي مشاكلها السابقة فلم أضع لها إعتبار !!
حسنا .. لننسى أمر القطط .. ما زلت عند اقتراحي .. أن تقتني حيوان أليف وتعتني به وتعلمني بالنتيجة ...

بعد ما يقارب الشهرين تلقيت منها الرسالة التالية...
إستاذي الفاضل ...
لا يسعني إلا أن أشكرك وأدعوا الله أن يوفقك لقد نفذت نصيحتك و أشتريت حوض لتربية أسماك الزينة ووجدت فيها متعة لا توصف خصوصا عند مراقبتها صباحا وحين وقت إطعامها .. لقد حصلت على سمكتين في الأول ثم أضفت اليهما مثلثهما ثم أضفت أكثر حتى صار العدد يقارب العشرين سمكة وفي كل مرة أشتري حوض أكبر و زودته بجهاز لتنقية الماء و شجيرات وحصى و مواد معقمة ، في الواقع لقد أصبحت خبيرة في تربية أسماك الزينة لدرجة أنني صرت أتاجر بها أيضا .. بالنسبة لدوامي فقد ثبت والتزمت بمواعيده وأبشرك بأن أوراق ترقيتي قد رفعت للإدارة العليا الأسبوع الماضي أما ساعات نومي فقد تحسنت كثيرا كثيرا خصوصا أنني قد الغيت فترة نوم العصرية من قاموسي حيث أقضي معظم وقتي في العناية بسمكاتي العزيزات وصرت اخلد للنوم مبكرة و أصحوا مبكرة.
شكرا أستاذي وعذرا لأنني قد قلت لك أنني نادمة لتواصلي معك وطلب المشورة في مشكلتي حين أبلغتني أن حل مشكلتي يكمن في تربية حيوان اليف ؟!! .. لقد حسبت أنك تسخر مني ، إلا أنني إكتشفت أنك صادق فيما رميت اليه و أنني أنا التي كنت نادمة في عدم تجربة تربية أسماكي من قبل أن أتصل بك.

الخلاصة:
نجحت هذة الطريقة في تعديل مسار تفكير هذة الأخت الكريمة لأن دماغ المرأة مبني على نواة واحدة ، حيث أنها لا تستطيع أداء عمليتي تفكير و تنفيذ مهمة يدوية في وقت واحد ، مثلا لا يمكن للمرأه أن تقود السيارة وفي نفس الوقت تحسب سرعة عدد الكيلومترات التي تسير بها ، أو أن تتجاوز مطب او حفرة على الطريق ، وعليه ، فإن تعديل مسار تفكير تلك الأخت و إبدال تفكيرها في العنوسة إلي أداء مهمة عملية (تربية الأسماك) كفيل بإنتشالها من هاوية الوهم الذي قوقعت نفسها فيه.