ثلاثة أيام أرق

زارني صديق قديم وأعلمني بأن أحد معارفه قد توفيت أمه منذ أيام ثلاثة ولم يهنا بالنوم خلالها إلا لسويعات قليلة ، ثم أنه طلب مني مساعدته في إخراج قريبه من هذة الحالة التي يمر بها.
إنتقلنا بالسيارة في اليوم التالي إلي بلدة قريبه ذاك وحين ولجنا للدخول إلي داره كان الرجل يبدو شاحبا للغاية و عليه بادية سمات التعب والسهر والإرهاق وقلة النوم.
سألته ما الذي يضايقه؟ ما الذي يجعله لا ينام؟ ومنذ متى وهو على هذا الحال؟
أجابني بأنه منذ وفاة والدته رحمها الله وهو كلما حاول النوم أخذ يفكر بها ، ثم يفكر في إستقبال المعزَّين باليوم التالي ، فكونه أكبر أخوته ، وكونه صاحب جاه و مال فإن دار العزاء يكون ببيته ويحضر اليه كل يوم جمع غفير عليه استقبالهم من بعد مغرب كل يوم الي مايقارب منتصف الليل.
قلت له ولكن أمس كان آخر يوم للعزاء ولن يأتي إلا من تخلف وهذا من النادر ، أجابني: ماذا أفعل أصابني الأرق منذ وفاة الوالدة رحمها الله أي منذ ثلاثة أيام وتعودت عليه.
أممممم .. يبدو لي أن حالته تنقسم الي جزئين (حزن مكبوت و هم متراكم) وهذا يمكن تجاوزه بسهوله لو انه أستجاب لما سأمليه عيه.

حسنا... لنبداء في العلاج ......
حددنا اولا خط زمنه ثم قلت له التالي:
مايحدث في خط زمنك هو انك تسمح بذكريات الماضي العبور عليه ناحية حاضرك ثم أنك لا تكتفي بذلك بل تواصل النظر الي همومك باليوم التالي ناحية المستقبل ثم رسمت له شكلا رسومياً على ورقة لترسيخ هذا المفهوم.

والآن .. ماذا تراه سيحدث لو أننا وضعنا عائق قوي امام الذكريات دون السماح لها بالعبور ناحية الحاضر ، ولنشبه هذه الذكريات بقطيع من الضأن ، ونشبه الماضي بالحظيرة التي يرعى بداخلها القطيع ، ونشبه العائق بباب مغلق بمزلاج عليها فلا يمكنها الخروج بتاتاً مالم يفتح أحداً لها الباب.
وماذا عن الهموم المستقبلة؟... حسنا .. طالما أن مجلس العزاء قد إنقضى فلنضع هدفا مهما مكانه .. هدف نتمنى أن يتحقق و لنضعه دائماً نصاب أعيننا بالمستقبل .. ننظر اليه فقط ونركز عليه هو فقط.

بصيغة أخرى .. لانسمح بالذكريات الأليمة بتجاوز خط زمننا ناحية الحاضر وكلما حاولت تجاوزه نعيدها الي مقرها بالماضي (قطيع من الضأن محبوس بحظيرته ولن نفتح له الباب مهما كانت المغريات) .. وعوضاً عن أن نسمح لها بالعبور ناحية الحاضر .. فإننا نركز النظر ناحية المستقبل على هدفنا المستقبلي ونستشعرة ونتذوقه كأننا نعيشه فعلاً... ننظر اليه بالعين .. ننظر للمستقبل. ولا نحاول مجرد محاولة القاء نظرة ولو عابرة الي الخلف على الماضي على الذكريات التي به على حظيرة الضأن المجبوس بداخلها لأننا إن فعلنا سنفتح الباب من جديد للذكريات الأليمه وسندور في دوامه لا نهاية لها وفي حلقة تدور حول نفسها و عليه لن نتخلص من أرقنا بتاتاً.

بادرني محدثي قائلا: في الواقع هناك هدف حقيقي أعمل عليه حاليا وهو فتح محل لتجهيز الأعراس .. عظيم .. أجبته ، إذا ركز على هدفك ، وفكر في كل صغيرة وكبيرة تخصه ، من طرحة العروسة إلي تجهيز الكوشة .. فكر في كل التفاصيل التي أنت تتمنى أن يكون مشرعك ناجحا بها.

تركناه وغادرنا داره بعد منتصف الليل مع إصراره لنا على المبيت إلا أنني فضلت تركه لإن الرسائل الإيجابية قد تم غرسها في عقله اللاواعي (الباطن) ولا يبقى للثمرة إلا أن تنبت.

في اليوم التالي جائني إتصال هاتفي من صديقي بعد العصر يعلمني بأن قريبه يقسم أيمانا بأنه قد نام ليلة البارحة قرير العين بعد خروجنا من دارة وهذه أول ليله ينام فيها منذ ثلاثة ليال ولن تكون الأخيرة بالطبع.

هناك من الناس من يجعل من الفكرة الصغيرة جبلا لأن الفكرة تكبر في الدماغ وتنمو بداخله كما ينمو العشب وإن لم تقطع العشب وتحصده لغدت الحديقة مشوهه.